أثارت الكاتبة فرانزيسكا زانكر جدلاً واسعاً حول قطار خاص انطلق من القاهرة إلى أسوان في يوليو 2025، معلناً عن مبادرة حكومية مصرية لنقل اللاجئين السودانيين الراغبين في العودة إلى بلادهم. القطار المكيّف والمجاني، بحسب الرواية الرسمية، ينقل أسبوعياً مئات الأشخاص إلى أسوان ومنها بالحافلات أو العبارات إلى السودان، رغم أنّ البلاد غارقة في حرب أهلية مستمرة منذ أبريل 2023.

أوضح تقرير ذا كونفرزيشن أنّ هذه العودة ليست مجرد مبادرة إنسانية، بل تعكس واقعاً سياسياً معقداً. فبحسب الإحصاءات، تجاوز عدد السودانيين العائدين من مصر 190 ألفاً منتصف 2025، أي خمسة أضعاف العام السابق، بينما استقبلت مصر أكثر من 1.2 مليون لاجئ منذ اندلاع الحرب، لتصبح أكبر دولة مضيفة للسودانيين الفارين من النزاع.

عزز الجيش السوداني الذي استعاد السيطرة على الخرطوم في مارس 2025 هذه العودة باعتبارها خطوة نحو الاستقرار وإعادة الإعمار. غير أنّ السياسات المصرية تحيط هذه العملية بملابسات كثيرة، إذ بدأت القاهرة بفتح الحدود أمام النساء والأطفال وكبار السن وفق اتفاق قديم مع الخرطوم، قبل أن تفرض قيوداً قاسية اعتباراً من يونيو 2023. وشملت هذه القيود تشديدات أمنية وقوانين جديدة أُقرت عام 2024 تجعل أوضاع اللاجئين أكثر هشاشة.

يشير الباحثون إلى أنّ برنامج "العودة الطوعية" الذي تروّج له مصر والسودان يخفي بيئة سياسية تهدف أساساً إلى تقليص أعداد اللاجئين داخل مصر. فقد واجه السودانيون خلال السنوات الأخيرة تمييزاً متصاعداً في السكن والعمل والفضاء العام، إضافة إلى حوادث عنف مباشر. وتستغل الحكومة هذه السياسات لتهدئة الرأي العام المحلي في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة، محوّلة اللاجئين إلى كبش فداء.

تتداخل هذه التطورات مع التحولات في علاقة القاهرة والخرطوم. فمنذ يونيو 2023 فرضت مصر على السودانيين الحصول على تأشيرة دخول، ما أوجد سوقاً سوداء لبيع التأشيرات بأسعار تصل إلى 2500 دولار للشخص. كما جاء قانون اللجوء المصري الصادر أواخر 2024 ليشرعن سياسات الترحيل ويتيح سحب الوضع القانوني للاجئين بذريعة الأمن القومي.

سياسياً، وقفت مصر بقوة إلى جانب الجيش السوداني منذ انقلاب أكتوبر 2021، واستمرت في دعمه ضد قوات الدعم السريع. ومع أنّ الحرب ما زالت مشتعلة في دارفور وكردفان، فإن سيطرة الجيش على وسط وشرق السودان عززت برنامج قطار العودة.

في الوقت نفسه، تستفيد القاهرة من صفقات مع الاتحاد الأوروبي تهدف إلى الحد من الهجرة غير النظامية نحو القارة. فقد وقعت مصر اتفاقاً بقيمة 7.4 مليار يورو في مارس 2024 لتعزيز مراقبة حدودها والتعاون في إعادة المهاجرين، ما يجعل ترحيل السودانيين ملبياً لمصالح أوروبية أيضاً.

بهذا، يتحول اللاجئون السودانيون إلى أوراق ضغط داخلية وخارجية. فالقطار لا يمثل مجرد وسيلة سفر، بل أداة سياسية لتقليص أعدادهم، وتخفيف الغضب الشعبي في مصر، والاستجابة لمطالب خارجية.

يبقى السؤال الأهم: هل تحترم هذه السياسات مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يمنع إعادة اللاجئين إلى بلد قد يتعرضون فيه للتعذيب أو الخطر؟ كثيرون يعودون بدافع الضائقة الاقتصادية أو خوفاً من الغموض القانوني في مصر، وليس لأن السودان أصبح آمناً.

منظمات الأمم المتحدة تطرح عادة ثلاثة حلول مستدامة: الاندماج المحلي، أو إعادة التوطين في بلد ثالث، أو العودة الطوعية. لكن الاندماج في مصر صعب، وإعادة التوطين إلى الخارج تكاد تكون مغلقة، والعودة الطوعية مهددة بانعدام الأمن.

رغم الهدوء النسبي في الخرطوم وسنار والجزيرة، فإن مناطق دارفور وكردفان لا تزال تشهد معارك دامية، ما يجعل عودة اللاجئين محفوفة بالمخاطر. وتحذر الوكالات الإنسانية من أنّ العنف المستمر يقوض الطابع الطوعي للعملية.

المفارقة أنّ القطار المكيّف قد يبدو مظهراً إنسانياً، لكنه في جوهره يرسخ سياسة "الترحيل البطيء"، حيث يجري دفع اللاجئين للعودة في ظل ظروف لا تضمن حمايتهم. ويخلص المقال إلى أنّ ما يحتاجه اللاجئون السودانيون ليس رحلة بالقطار، بل التزاماً جاداً بحقوقهم السياسية والاجتماعية والقانونية كما نصّت اتفاقية 1951 الخاصة باللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية.

https://theconversation.com/refugee-protection-in-egypt-whats-behind-the-return-train-to-sudan-264917